الجمعة الخامسة بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

إنجيل اليوم (مر 4 / 26 ـ 29)

 

 

26 قال الربّ يسوع : "مثل ملكوت الله كمثل رجل يلقي في الأرض زرعًا،

 

27 وينام ويقوم، ليلاً ونهارًا، والزرع ينبت ويعلو، وهو لا يدري؛

 

28 لأنّ الأرض من ذاتها تعطي ثمرًا، فتنبت العشب أولًّا، ثمّ السنبل، ثمّ القمح ملء السنبل.

 

29 ومتى نضج الثمر، يرسل الزارع في الحال منجله لأنّ الحصاد قد حان".

 

 

 

أوّلًا قراءتي للنصّ

 

1 ـ أُعطيَ لهذا النصّ العنوان التالي "مثل الزرع الذي ينبت" (في "الترجمة الليتورجية")، "ومثل الزرع الذي ينمو" (في "قراءة رعائية")؛ وأُعطي لهذا النص، في "الترجمة الليتورجيّة"، الشرح التالي:  يتفرّد مرقس بهذا المثل، مشدّدًا على تفاؤل يسوع في أنّ الملكوت ينمو في قلوب السامعين، بقوّته الذاتية الخفيّة، كما ينمو الزرع في خفية عن أنظار زارعه.

 

 

2 ـ يفترض هذا التشابه بين الملكوت في قلوب السامعين وبين الزرع في الأرض الانتباه إلى وجوب تمييز القوّة الكامنة في الأرض، على إنماء الزرع الملقى فيها، من  فعل هذه القوّة، في الواقع، باعتبار أنّ هناك عوامل عدّة تحدّ من هذه القوّة، وقد تعطّل، أحيانًا، فاعليّتها.

 

فكما الأرض المؤهّلة لأن تُنمي الزرع الملقى فيها حتّى الثمر من ذاتها، تبقى، في الواقع، بحاجة إلى أعمال أخرى، سابقة ولاحقة لعمل الزرع، لإزالة ما قد يحول دون نموّ الزرع وبلوغه الثمر، كذلك ملكوت الله، المؤهّل، من ذاته، لأن ينمو فينا، وفي العالم، يبقى، في واقع الحال، بحاجة إلى أن نعي ذلك ونريده، ونطمئنّ إلى فكرة أنّه مزروع فينا، ومثمر، بالنهاية، حياة أبديّة مع الله، كما الزارع (ينام ويقوم) وهو مطمئنّ إلى أنّ أرضه مزروعة، وسوف تعطيه ثمرًا؛ هذا ما تثبته أمثال عدّة، منها مَثَل الزارع، ومَثَل العبد الأمين الحكيم، ومَثَل الأمْناء والوزنات.

 

 

3 ـ صحّة هذا المثل تبدو أكثر وضوحًا، على المستوى الكنسيّ، أي الجماعيّ: لقد أدخل يسوع، بتجسّده، بذرة الخلاص (الملكوت) في هذا العالم؛ فهي تنمو من ذاتها، كمًّا ونوعًا، عبر الأجيال وبالرغم من كلّ المضادات المتأتّية من قوى الشرّ التي لا تزال تعمل في هذا العالم؛ وهذا النموّ يتمظهر في الكنيسة، في الروح التي تبثّها، وفي القيم التي تنادي بها، وفي التراث الثقافيّ المتنوّع الذي يتكثّف فيها يومًا بعد يوم؛ فكلّ ما هو "إنسانيّ" في المجتمع، هو، بعمقه، منها، أفليست الكنيسة المسيحيّة هي الأكبر والأغنى بين كلّ المؤسّسات القائمة والعاملة في العالم الحاضر؟

 

 

 

ثانيًا  قراءة رعائية

 

تحمل " قراءة رعائية" شرح هذا المثل الخاص بمرقس، بما يلي: يدعو يسوع، بهذا المثل، المؤمنين إلى الثقة بعمل الله، رغم الظواهر؛ لا يشدّد الإنجيليّ على نموّ البذار ونجاح الحصاد، بل على القوّة السرّية التي في البذار؛ إنّ تعليم الإنجيل يحمل قوّته في ذاته؛ يبقى أن نلاحظ أنّ الزارع هو الحاصد أيضًا (يو 4 / 36).

 

 

                                                                الأب توما مهنّا